بيقولوا دايمًا إن المكان لما بيتقفل لفترة طويلة ويبقى مهجور، مع الوقت ومرور السنين، بيبقى مرتع للجن والعفاريت.. واللي هنحكي عنه النهاردة هو مش مجرد مكان، مش بيت اتهجر فاتسكن، ولا شقة اتقفلت لفترة واصحابها رجعولها فلقوا جواها جن مستنيهم.. حكايتنا النهاردة هي مرعبة اكتر من كده بكتير.. حكايتنا النهاردة عن قصر من قصور وسط البلد في القاهرة.. قصر شامبليون.
**********
بيقول بطل حكايتنا واللي اسمه (مصطفى).. انه من سكان منطقة عابدين، بيشتغل دليفري في مطعم، بس دي مش قصتنا، احنا قصتنا مع مصطفى واصحابه.. مصطفى له شلتين، شلة بتتكون من ٧ اصحاب، ودول اصحابه اللي من مناطق مختلفة غير منطقته، وشلة تانية بتتكون من تلاتة وهو رابعهم، وهم دول اصحابه المقربين.
خالد وحسن وحسين اخوه.. ومصطفى هو الرابع، الاربعة زي ما جمعتهم نفس المنطقة، جمعتهم برضه نفس المدرسة الاعدادية ومن بعدها الثانوي، ومن بعدهم الجامعة… الجامعة اللي كمل فيها اتنين منهم وخلصوا دراسة واشتغلوا شغلانات بسيطة، يادوب مرتبها بيقضي مصاريفهم ومصاريف اهاليهم، واتنين منهم ماكملوش وبرضه اشتغلوا في شغلانات بسيطة، لكنها ابسط شويتين، زي مصطفى اللي اشتغل دليفري زي ما قولنا، وخالد اللي اشتغل كهربائي زي ابوه.. اما حسن وحسين، فبعد ما خلصوا كلية تجارة، اشتغلوا كموظفين استقبال في مستوصف.
وزي ما جمعتهم الصداقة وكل الحاجات اللي قولنا عليها، جمعهم برضه ضيق الحال والمرتبات القليلة، وفي نفس الوقت برضه، جمعتهم اسوء حاجة ممكن يتصاب بيها أي شاب، تعاطي المخدرات.. الاربعة كانوا بيشربوا المخدرات، ظنًا منهم يعني انهم بكده يعني بيهربوا من مشاكلهم، لكنهم في الحقيقة مايعرفوش انهم بيصرفوا عليها وبتاخد من رزقهم، وكمان مايعرفوش انها هتكون السبب في مصيبة كبيرة هتحصل لهم.
في يوم من الايام ووقت احتفال الناس كلها براس السنة، اتجمعوا الاربعة وقالوا انهم عاوزين ينزلوا يتمشوا في وسط البلد، وحصل.. نزلوا سوا وفضلوا يتمشوا لحد ما خالد طلع من جيبه مخدرات وقالهم..
-ها ياشباب، هنتجمع فين النهاردة عشان نضرب الحتة دي؟!
وقتها مصطفى قال ان ابوه عازم عمه وعمته عندهم واحتمال يباتوا كمان، فمستحيل يطلعوا عنده، ومن بعده حسن وحسين قالوا ان اهلم برضه متجمعين في البيت، ومستحيل يطلعوا يقعدوا ويشربوا عندهم، وحال خالد في البيت كان زي حالهم تمام، اهل خالد سهرانين قصاد التلفزيون ومش هيروحوا في اي مكان.
وقتها فضلوا الاربعة يفكروا في مكان يروحوه، يقعدوا على قهوة؟.. طب ما الحكومة ممكن تشوفهم او الناس، وساعتها هيدخلوا نفسهم في سين وجيم، طب يشوفوا اي حارة متدارية ويقعدوا فيها؟، برضه مش هينفع لأن الشرطة بتبقى مالية وسط البلد في الوقت ده، وده العادي والطبيعي لحماية الناس اللي خارجة تقضي ليلة راس السنة.. واثناء ما كانوا بيتكلموا وبيفكروا، اقترح حسن اقتراح لما قالهم..
-ايه رأيكوا لو روحنا القصر المهجور اللي في شارع شامبليون؟، القصر ده مهجور ومقفول وماحدش بيدخله، وقبل كده في واحد جارنا قال انه كان معاه سجارتين، وراح ضربهم هناك، لا من شاف ولا مين دري.
التلاتة الباقين سكتوا شوية لحد ما قطع السكوت خالد اللي قالهم ان القصر ده مسكون، اهالي المنطقة واهالي وسط البلد بيقولوا انه قصر مسكون، لكن مصطفى بطل الحكاية واللي نقلها لي، بيقول انه اتريق عليه لانه مابيصدقش في الحاجات دي، اه هو بيصدق ان الجن موجود واتذكر في القرأن، بس مابيظهرش للناس، لا في اماكن مهجورة ولا حتى في مقابر.. وكان رد فعل حسن وحسين نفس رد فعل مصطفى، ولأن الأغلبية تحكم، فسمع خالد كلامهم وخدوا بعضهم وطلعوا على القصر.. في الأول الحراسة البسيطة اللي على القصر ماكانتش موجودة، وده سَهِل عليهم انهم ينطوا من على السور ويدخلوا، وبعد دخولهم، طلع مصطفى موبايلة ونور الكشاف بتاعه، وعملوا التلاتة زيه بالظبط وفضلوا يتمشوا في المكان الخارجي للقصر، لحد ما وصلوا لجوة.. في البداية بيقول مصطفى انهم مالقوش اي حاجة غريبة، مجرد قصر فاضي ومافيهوش اي حاجة تدعو للرعب، لكن فجأة خالد اتنفض وصرخ وجري ناحية حسين وكلبش في دراعه، وكان سبب خضة خالد انه لقى قطة خرجت جري من ركن من اركان القصر وطلعت تجري، طبعًا وقتها التلاتة فضلوا يضحكوا عليه لحد ما الموقف عدى وقعدوا وجهزوا حاجتهم عشان يلفوا السجاير ويشربوها، وفي وقت ما كان حسن بيلف السجاير، بص خالد لمصطفى وقال له..
-ما تشغلنا حاجة على موبايلك تسلينا يادرش.
مسك مصطفى موبايله وشغل عليه اغاني، وفي وسط ما هم قاعدين وسرحانين مع الاغاني، وعلى كشافات الموبايلات، سرح حسين في حاجة ناحية السلم اللي بيطلع للدور التاني للقصر!
بص له مصطفى وسأله باستغراب..
-مالك مبلم كده ليه؟!
فجاوبه وحسين وقاله انه شاف حد بيمشي على السلم، بس لا بيطلع ولا بينزل، ده كأنه بيتمشي وخلاص، او بمعنى اصح، طالع نازل من غير هدف، اتريق وقتها حسن اخو حسين على اخوه وقاله نصًا كده..
-ايه ياعم، انت اتسطلت من قبل ما نضرب السجارتين ولا ايه.
اما عن خالد بقى، فقال لحسن انه لا اتسطل ولا حاجة، هو بيعمل كده بس عشان يخوف خالد اللي هو اصلا خايف من القصر، وقتها اتكلم مصطفى وقالهم ان خالد معاه حق، حسين بيعمل كده عشان يخوف خالد.. لكن الغريب كان رد فعل حسين اللي قام وقف وقالهم انه مابيهزرش ولا عايز يخوف حد، هو فعلا شاف ضل او حد مالوش ملامح، والحد ده فضل طالع نازل عالسلم!
حاولوا التلاتة الباقيين يهزروا ويتجاوزوا الموضوع، لكن حسين فضل قلقان لحد ما حسن خلص لف سجارة وادها لاخوه.. اخوه اللي ولع السجارة اول واحد، وفضلت السيجارة تلف على الاربعة وهم بيغنوا وبيشربوا ومبسوطين، لكن في ثانية واحدة، وبعد ما لف حسن سيجارة تانية، بص وهو مبرق ناحية باب القصر الداخلي اللي دخلوا منه، استغرب مصطفى وبص له، ولما سأله عن سبب بصته، حسن قال انه شاف كلب واقف عند الباب، والكلب ده كان بوقه بينزل منه نقط دم!
اتريق مصطفى عليه وحاول يعدي الموقف زي ما عدوا موقف حسين، لكن وقتها خالد قاله انه تافه، وان القصر فعلًا فيه حاجة وانهم لازم يمشوا، وفي وقت ما كانوا بيتكلموا، شاورلهم حسين انهم يسكتوا ويركزوا مع الصوت اللي جاي من فوق!
سكتوا كلهم وابتدوا يركزوا مع الصوت، وياريتهم ما ركزوا، الاربعة سمعوا من الدور اللي فوق، خطوات.. ولما بقول خطوات فماقصدش خطوات لشخص، لا.. دول زي ما يكونوا خطوات لكذا شخص، ومرة واحدة ووقت ما كانوا مركزين، سمعوا صوت واحدة بتصرخ من فوق!
وقتها قام مصطفى من مكانه وقال بصوت عالي ان في واحدة فوق وممكن تكون بتتعرض لأذى، لا ولازم كمان يطلع ينقذها، بس ساعتها حسن قام ومسكه من دراعه وقاله..
-واحدة ايه بس ياصاحبي، القصر مهجور وماحدش بيدخله، وان كان في واحدة ست بتصرخ في القصر، فهي بالتأكيد هتكون عفريتة او جنية.
بعد ما حسن قال لمصطفى كده، خالد وحسين وافقوه الرأي وقالوا له نفس الكلام، لكن مصطفى بيقول انه ماكنش مصدقهم، او المخدرات اللي كان شاربها كانت مهيأله ومخلياه مقتنع ان في واحدة فعلًا فوق، وعشان كده وبدون أي كلام، راح جري ناحية سلم، وبمجرد ما جري وطلع على أول سلمة، وقف فجأة في مكانه لما سمع صوت صرخة من وراه.. صاحب صوت الصرخة كان حسن.. ومع الصرخة دي، لف مصطفى عشان يشوف منظر غريب، حسن صاحبه واقف ومدي ضهره لحيطة من الحوائط، وحسين اخوه واقع على الأرض وعمال يتشنج، رجليه ملفوفة في وضع غريب حوالين رقبته، وايديه الاتنين مرفعوين لفوق وعينيه بيضا تمامًا، اما عن خالد، فطلع يجري ناحية باب القصر!
قرب مصطفى بسرعة من حسين وحاول يفوقه، وبيقول انه رش على وشه شوية مايه من ازازة كانوا جايبينها معاهم، وبعد محاولات منه ومن حسن، فاق حسين وخدوه وخرجوا، وبعد خروجهم، لقوا خالد واقف مستنيهم برة.
لاموا عليه في الاول انه سابهم وخرج، بس لانه شخص جبان، فماوقفوش عنده كتير وخدوا بعضهم ومشيوا من شارع شامبليون خالص، رجعوا منطقتهم تاني وقعدوا في قهوة كانوا متعودين يقعدوا عليها، وبعد ما قعدوا وحسين بقى أهدا، قالهم ان اول ما مصطفى جري وراح ناحية السلم، هو بص عليه وكان رايح يمنعه، لانه خاف عليه لا يطلع ويتلبس ولا يجراله حاجة، بس فجأة كده وقبل ما يتحرك من مكانه، حس ان في حد مسكه من راسه وحس انه بيتكهرب، ومرة واحدة ماحسش بحاجة الا وهم بيفوقوه، اما عن خالد، فقالهم انه ماجريش من فراغ، خالد جري لما لمح عالسلم واحد ست في ايدها سكينة، كانت متحفزة وكأنها واقفة مستنية مصطفى يطلع عشان تموته!
اما عن رواية حسن، فبيقول انه مرة واحدة وهو واقف وقبل ما يقول لمصطفى استنى انا جاي معاك، حس ان حد زقه في صدره ناحية الحيطة اللي كان واقف ومديها ضهره، وفي نفس اللحظة حسين وقع على الأرض واتشنج.
وانتهت القصة على كده، انتهت بأن الاربعة الحمد لله خرجوا سُلام، بس خرجوا وهم اشخاص مختلفين، مصطفى اللي حكى لنا الحكاية، بيقول انهم من وقتها وهم بطلوا شرب خالص وحمدوا ربنا انها جت على قد كده، واعتبروا ان اللي حصلهم ليلتها، كان زي انذار من ربنا عزوجل عشان يبطلوا وينتبهوا لنفسهم ولحياتهم.
ولحد هنا بتخلص القصة اللي مصطفى حكاهالنا، اما عن القصر بقى، فهو فعلًا مازال مقفول ومهجور، ورغم انه موجود في شارع شامبليون وجنبه يافطة بتحمل اسم (شارع شامبليون)، إلا إنه مش قصر شامبليون اللي فك رموز حجر رشيد.
القصر ده هو قصر سعيد باشا حليم، صممه واحد ايطالي اسمه أنطونيو لاشياك، وده نفس المصمم اللي صمم حي جاردن سيتي، واتبنى القصر سنة ١٨٩٦ ميلاديًا.. والأمير سعيد حليم ده، هو حفيد محمد علي باشا اللي كان والي مصر، وكان السبب اللي بنى عشانه القصر، انه يهديه لزوجته، بس بيتقال إن زوجته ماعاشتش فيه.
وفي سنة ١٩١٦.. وبعد ما القصر اتهجر بسبب ان تم التحفظ على ممتلكات سعيد باشا من الانجليز، اتعمل القصر مدرسة اعدادية اسمها المدرسة الناصرية، ولما جت ثورة يوليو اتقفلت المدرسة واتهجر القصر والجنينة بتاعته هي كمان اتهجرت، وفي سنة ٢٠٠٠.. القصر بقى تابع لوزارة الثقافة، ومن وقتها ولحد الأن.. القصر لا اترمم ولا اتعمل فيه اي حاجة ممكن تخليه يبقى مكان أثري، او حتى ينفع ان الناس تزوره، ولحد دلوقتي، في حكايات كتييير بتطلع عن القصر، حكايات زي حكاية مصطفى كده، حكايات منها الحقيقي ومنها اللي البعض بيشوف انها مجرد حكايات، لكن في النهاية هيفضل الحكم ليك انت.. هل انت شايف ان قصر سعيد باشا او قصر شامبليون زي ما بيتقال عنه، قصر مسكون بالعفاريت والجن، ولا مجرد مكان تاريخي مهجور والناس طلعوا عنه اشاعات زي اي مكان بيقعد فترة لكبيرة مقفول، ومافيش حد بيزوره؟!
تمت
#محمد_شعبان